أشار إبراهيم الأصيل إلى أن اندلاع العنف الطائفي في السويداء لا يمثّل نزاعاً محلياً فقط، بل يُعدّ مؤشراً على تحول استراتيجي في مستقبل سوريا ما بعد بشار الأسد.
شهدت محافظة السويداء، في منتصف يوليو، أعنف موجة عنف منذ سنوات، حيث هاجمت مجموعات مسلحة موالية للنظام السوري—معظمها من البدو والقبائل—قرى درزية بهجمات منسقة، وثّقت بالفيديو أثناء استهداف المدنيين. المعارك خلّفت عشرات القتلى وأحياء كاملة مدمرة، ما أدى إلى تهجير آلاف المدنيين البدو إلى قرى مجاورة، قبل أن تُعقد هدنة هشة.
وقال تحليل لأتلانتيك كآونسل إن الأزمة تجاوزت حدود المحافظة لتكشف انهيار التوازنات الداخلية والإقليمية، إذ تسهم أطراف دولية وإقليمية في تشكيل واقع السويداء الجديد. الدعم الإسرائيلي المتزايد جنوب سوريا، تقارب تركيا مع دمشق، وتمسّك السعودية والأردن بمركزية السلطة في سوريا يعكسون حسابات جيوسياسية متغيرة.
أصبحت السويداء رمزاً لتفتت سوريا إلى مناطق مستقلة عسكرياً وسياسياً، تتحكم بها تحالفات محلية وخارجية بدلاً من شرعية الدولة المركزية.
داخلياً، يبرز فراغ السلطة في السويداء، بخلاف الساحل الذي يحكمه الرئيس أحمد الشرع بقوة. بعد ضربات جوية إسرائيلية على مواقع للجيش السوري في السويداء ودمشق، نجحت وساطة أمريكية-تركية-عربية بوقف القتال.
في ظل انسحاب قوات النظام، برز الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، كشخصية محورية بعد أن لعب دوراً حاسماً في تأمين حماية إسرائيلية لمناطق درزية، ما منحه مكانة "المنقذ" لدى مجتمعه، رغم جدله السابق داخل الطائفة.
تُشير التحولات إلى تقبل درزي متزايد للتعاون الأمني مع أطراف خارجية، بما فيها إسرائيل، ما يقلل فرص التفاهم السوري-الإسرائيلي، ويرفع احتمال نشوء "منطقة عازلة" داخل الأراضي السورية تفصل دمشق عن الحدود الإسرائيلية، الأمر الذي يعقّد حسابات النظام الاستراتيجية.
في المقابل، يرى الكثير من السوريين إسرائيل كقوة تسعى لتفكيك بلدهم، ما يزيد التوترات الطائفية ويهدد أي مسار للمصالحة.
كشفت الأزمة أيضاً تباين أولويات الأطراف الإقليمية. إسرائيل تستثمر في تفتيت السلطة السورية وتدعم الفاعلين المحليين درءاً لعودة النفوذ الإيراني. بينما تخشى الأردن من نشوء كيان مستقل على حدوده لا يمكنه التأثير عليه، خاصة مع تصاعد تهريب المخدرات والسلاح عبر الشبكات القبلية المشتركة.
السعودية تدعم النظام السوري في إعادة بسط سيطرته، خشية عودة إيران وتعزيز الفوضى. رغم تلاقي مصالحها مع تركيا في معارضة النفوذ الإسرائيلي، لا تزال الرياض قلقة من توسع تأثير أنقرة في دمشق، ما يدفعها لدعم الشّرع لتثبيته في المحيط العربي ومنع تقارب تركي-سوري قد يُشعل صراعاً تركياً-إسرائيلياً.
أما تركيا، فتدعم مركزية الحكم السوري، وترى في الشّرع حاجزاً أمام نفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكياً، والتي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني. تخشى أنقرة أن يستغل الأكراد الاضطرابات جنوب سوريا لتوسيع مطالبهم بالحكم الذاتي.
ورغم إعادة فتح قنوات دبلوماسية بين إسرائيل وتركيا، تبقى سوريا نقطة صدام رئيسية، فإسرائيل تسعى للتفتيت، وتركيا للتركيز. هذا الانقسام سيزداد عمقاً مع محاولات كل طرف فرض رؤيته لسوريا ما بعد الحرب.
بالنسبة للنظام السوري، أزمة السويداء كشفت ضعفه وعجزه عن استعادة السيطرة دون مقاومة شعبية، ما دفعه للاعتماد على الدعم الدبلوماسي من تركيا والسعودية وقطر لتثبيت شرعيته. يتجنب النظام التفاوض مع قادة محليين كالهجري، في رفض واضح لمنحهم أي اعتراف رسمي. الاستثناء الوحيد يبقى "قسد"، التي يضطر للتعامل معها أمنياً دون الاعتراف بها سياسياً.
يركز الشّرع على العواصم الخارجية بدلاً من بناء توافق داخلي حول شكل الحكم المستقبلي. هذه الاستراتيجية تحاول الإبقاء على مظهر الدولة، بينما الواقع الداخلي ينزلق إلى التفتت.
ما سيحدّد مستقبل سوريا ليس نتائج المعارك أو المؤتمرات، بل التحولات على الأرض، وقدرة الفاعلين المحليين والإقليميين على التكيّف معها. انتهى عصر الصراع الثنائي بين النظام والمعارضة، لتحلّ مكانه واقعٌ متعدد الطبقات من التحالفات المتبدلة والمناطق شبه المستقلة.
على الولايات المتحدة ودول المنطقة أن تدرك أن وحدة الدولة لم تعد معيار النجاح، بل المشروعية المحلية والتنسيق الإقليمي. تحقيق الاستقرار يتطلب تفاهمات أوسع تأخذ بالحسبان مصالح الجيران وتجنب تصعيد الصراع، خاصة مع تزايد التدخل العسكري الإسرائيلي.
في النهاية، مركز سوريا لن يصمد، ومستقبلها يُرسم في الأطراف.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/after-swaida-how-syrias-periphery-is-shaping-its-future/